منتديات القريه
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


منتدي لكل افراد المجتمع
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 عذابات البحر ... قصة قصيرة

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
خلوووق وطيب
مشرف قسم
مشرف قسم
خلوووق وطيب


المساهمات : 133
تاريخ التسجيل : 12/03/2008
العمر : 45

عذابات البحر ... قصة قصيرة Empty
مُساهمةموضوع: عذابات البحر ... قصة قصيرة   عذابات البحر ... قصة قصيرة I_icon_minitimeالأحد مارس 16, 2008 5:35 am

عذابات البحر

اتجهتُ نحو الشمال، اخترقتُ جبال الريف، وصلتُ إلى طنجة، أمشي في شوارعها مطأطئ الرأس. كلما اقتربت من أوروبا، زادت معاناتي، أحس بشيء يجرني إلى الوراء، يحاول منعي من المضي، منظر غريب. كنت أتقدم إلى الأمام، لكن تفكيري، ووجداني بقيا مع الأهل، رفضا فراق الأحبة. أمشي في الطريق بين حشود من الناس في ازدحام الشارع، ولكنني رغم ذلك وحيد، غريب، خطواتي بطيئة، رجلي مثقلة علي.. في حيرة مع نفسي. وصلت إلى الشاطئ، على مشارف البحر التفت وها أنذا اللحظةَ أفارقها أرحل عنها، أتركها، صعب عليَّ ذلك؛ لا أطيقه.

أأرحل عن وطن فيه ولدت وكبرت، قضيت فيه أحلى الساعات بين الأهل والأحباب تحت رحمــة الأب وعطـف الأم الحنــون؟ لماذا يا نفس تهجرين مجتمعاً تقاليده وعقائده تجري مجرى الدم في جسمك، عشت فيه حتى أصبح جزءاً منكِ وأصبحتِ جزءاً منه؟

ردت نفسي قائلة: أنا أيضاً لم أشأ هجران وطني، صحيح هو جزء مني؛ فأنا لم أُرد الانسلاخ عنه، لكنه أبى أن يحتضنني، أبى أن يوفر لي لقمة عيش، بخل عليَّ بعيش زهيد.

طرقت كل أبواب العمل، طرقت كل باب يمكنني من خلاله أن أوفر كسرة خبز.. للأسف لم أجد ولو باباً واحداً مفتوحاً في وجهي، أجلس بين أقراني وأصحابي أحسّ بالنقص؛ لأنني عاطل، أبي وأمي وإخوتي الصغار ينظرون إليَّ، فأقرأ في أعينهم الحاجة وواقع حالهم يقول لي: أنقذنا من غول الفقر.

وجدتُ حجتها أقوى من حجتي فاقتنعت بالرّحيل.

امتطيت القارب، تناولت مِجدافيه، وجَّهته قِبَل الشمال، واستدبرت الجنوب. كانت الشمس في مغربها تستعد لتودعنا، والليل يتأهب ليرخي سدوله ويغطينا بظلام قاتم.. غابت الشمس، وحلّ الظلام؛ لكن القمر وعلى خلاف عادته لم يظهر.

ركبت القارب وسرت فوق موجات البحر أشق طريقي نحو الحلم، شيئاً فشيئاً أبتعد عن الوطن، لم أعد أرى أضواء طنجة.. أصارع أمواج البحر مع ظلمات الليل الحالك.

يا للأسف! هاج البحر، أمواجه تتقاذفني، فأحاول السيطرة على القارب، وأُمسك جيداً بمجدافيه لكن دون جدوى. الأمر أعظم مما كنت أتوقع.. أصبحت في خطر حقيقي، حركات البحر غير عادية، شعرت بالموت يهاجمني من كل جانب وأنا أقاومه وحدي. يا إلهي! يا إلهي! وأخيراً تمكنت من رفع سبابتي نحو السماء فنطقت بالشهادتين، ليضمني البحر في أعماقه بين ذراعيه، ويقول لي: اضطررتُ لأمنعك من السير إلى الجحيم الذي احترق به أسلافك من الأندلسيين والأواخر من المهاجرين الذين هم الآن يحترقون.

قال لي: اسألني! أنا الذي شاهدت مآسي الأندلس، ومحاكم التفتيش، ولا زلت أشاهد معاناة المهاجرين في أوروبا وهم يكتوون بنار الوحدة والغربة، والعنصرية التي يمارسها المستكبرون في الأرض.

ويأبى البحر أن تتكرر مأساة الماضي.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
عذابات البحر ... قصة قصيرة
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات القريه :: المنتدى الأدبي :: قسم الروايات والقصص-
انتقل الى: